التاريخ : 2020-10-01
مطلوب رئيس "سوبر مان" للأردن
نضال منصور
قبل أن يختار الملك رئيس الحكومة المقبل أشعر بالحزن والشفقة عليه فأينما صوّب وجه فالأبواب موصدة
حُسم الجدل في الأردن وصدرت الإرادة الملكية بحل مجلس النواب في آخر يوم من عمره، وبموجب أحكام الدستور فإن حكومة الدكتور عمر الرزاز ستُقدم استقالتها في أقصى تقدير خلال أسبوع وسترحل، ولا يمكن لرئيسها أن يُشكل الحكومة القادمة.
سقطت كل السيناريوهات والتكهنات الأخرى، وتمسك النظام في الأردن بالأجندة والاستحقاقات الدستورية، وهو يمضي لإجراء انتخابات برلمانية في العاشر من شهر نوفمبر المقبل، ما لم تحدث ظروف وبائية قاهرة تمنع إجراءاها، وبذلك فإنه وقبل نهاية هذا العام الصعب سيكون لديه حكومة جديدة، ومجلس نواب مختلف، ومجلس أعيان أعيد تشكيله من جديد قبل أيام.
كان الرهان حتى اللحظة الأخيرة على استمرار حكومة الرزاز في السلطة، فهي الأكثر متابعة للتعامل مع ملف وباء كورونا الشائك والصعب، وهي بذات الوقت الأكثر معرفة بالاستحقاقات الاقتصادية المتفاقمة، لكن تحولا في "القصر الملكي" في اللحظات الأخيرة عجّل في إطلاق رصاصة الرحمة على الحكومة وإنهاء عمرها.
منذ لحظة حل البرلمان بدأت على الفور بورصة الأسماء المُرشحة لرئاسة الحكومة الجديدة تتناسل، وكل صاحب مصلحة يدس اسما لمرشح مُحتمل للرئاسة، وكل طامح بالحكم لديه جوقة من المطبلين في بعض وسائل الإعلام والسوشيال ميديا يسبحون باسمه كمنقذ للعباد والبلاد.
كان الرهان حتى اللحظة الأخيرة على استمرار حكومة الرزاز فهي الأكثر متابعة لملف كورونا ومعرفة بالاستحقاقات الاقتصادية
اختيار رئيس الحكومة في الأردن لا يرتبط بمرشح حزب الأغلبية في البرلمان، ولا تحكمه قواعد سياسية واضحة المعالم، والأمر في نهاية المطاف مرتبط بإرادة الملك ورؤيته لمن يشغل هذا المنصب الرفيع، ورئيس الحكومة مهما كان اسمه لن يحكم منفردا، وستُنازعه سلطته على الأقل مركزين لصناعة القرار الديوان الملكي، ودائرة المخابرات العامة، هذا عدا عن أطراف أخرى يدخلون إلى المشهد ويخرجون في ظروف مختلفة.
تشكيل مجلس الأعيان، وهو الغرفة الأولى للسلطة التشريعية، قُبيل إعلان الحكومة قطع الطريق على فرص أسماء سياسية واقتصادية كان يمكن أن يلمع اسمها لرئاسة الوزراء، والواقع أن أي رئيس قادم سيواجه تحديات لا مثيل لها منذ تأسيس الدولة الأردنية.
بقيت حكومة الرزاز ما يُقارب عامين وثلاثة شهور في السلطة، وحظيت بمديح قل نظيره في الأشهر الأولى من توليها زمام الأمور، غير أنها وقبل رحيلها بأشهر تعرضت للسخرية والتندر بسبب قراراتها وتوجهاتها، واليوم وهي تحزم حقائبها تنتشر حملة من التشفي برئيسها وفريقها.
صمد الرزاز أكثر من الرئيس هاني الملقي الذي أجبرته احتجاجات صاخبة على قانون ضريبة الدخل على الاستقالة، ورحلة الرزاز لم تكن طريقا مُعبدا بالورود، فقد بدأ عهده بأطول إضراب للمعلمين في تاريخ المملكة، وانتهى، وربما كانت الضربة التي قضت عليه، بحل مجلس نقابة المعلمين واعتقال وتوقيف كل قيادات مجلسه.
في أكثر من عامين انشغلت حكومة الرزاز وأرهقت بمعالجة قضية فيضان البحر الميت، وغرق وسط البلد، ولم ترحمها جائحة كورونا حين صنعت لها شعبية ونجومية مؤقتة، ثم استنفذت ما تبقى من رصيدها الشعبي وقضت عليها.
مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية وفي آخر استطلاع له قبل أيام قارن بين شعبية حكومة الرزاز في شهر مارس منذ بدء جائحة كورونا، وبعد ستة أشهر، وتحديدا في السابع والعشرين من شهر سبتمبر الجاري، فكانت النتائج فاجعة ومؤذية لحجم التراجع، فقد أظهرت الأرقام أن 10 بالمئة فقط اعتبروا أن الأمور تسير بالاتجاه الإيجابي في الأردن الآن، في حين كان 91 بالمئة يرونها كذلك في مارس.
مهما كان اسم الرئيس فإن "السيستم" يُخضعه لمنظومته وقواعده ويترك له هوامش ليتحرك بها
وأكثر من ذلك فإن 56 بالمئة لا يثقون بالأعداد التي تُعلنها الحكومة عن الإصابات بفيروس كورونا، و31 بالمئة غير راضين عن القرارات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة بمواجهة الجائحة، و57 بالمئة يرون أن الحكومة لم تنجح في إدارة ملف التعامل مع الوباء.
لا تحظى نتائج استطلاع الرأي لمركز الدراسات الاستراتيجية بإجماع وثقة الأردنيين، وأحيانا كانت هناك أصوات تُشكك بها، وترى أنها توظف لخدمة مسارات سياسية، قد يكون من بينها كما همس في أذني وزير "حرق الحكومات".
تقييم مركز الحياة ـ راصد للأداء الحكومي وقبيل رحيلها الرسمي نبه إلى أن نسبة البطالة ارتفعت في عهد الحكومة من 18.7 بالمئة إلى 22 بالمئة، وأن المديونية زادت 4 مليارات لتصل إلى 32 مليار دينار، وأن الحكومة أنجزت 21 بالمئة من الالتزامات التي تعهدت بها، و54 بالمئة قيد التنفيذ، و20 بالمئة لم يبدأ العمل بها.
من السهل أن تدافع حكومة الرزاز عن نفسها لتفنيد هذه الأرقام، فالجائحة كارثة عالمية عابرة للحدود، وكل الاقتصاديات العالمية الكبرى تضررت، ومن الطبيعي أن تزيد البطالة والمديونية في الأردن.
جاهد الرئيس الرزاز للحفاظ على صورته حتى آخر لحظة، وكانت تمتلكه الهواجس في بداية عهده من الإضرار بإرث عائلته، فوالده هو المناضل القومي منيف وشقيقه الكاتب المبدع مؤنس، والمؤكد بعد خروجه أن الصورة تضررت، وتعرضت لشروخ عميقة، وليس من السهل ترميمها.
طوال العقود الثلاثة الماضية عرفت كل رؤساء الحكومات في الأردن، وربطتني بجلهم علاقات إيجابية دون تبعية، أو توقف عن انتقادهم، كلما شعرت أن هناك خللا، وأكثر حكومتين استأثرت باهتمامي حكومة عبد الكريم الكباريتي عام 1996 ووجدت في رئيسها كاريزما قيادية أعادت لموقع الرئيس هيبته، وتعلقت بحكومة الرزاز عند تشكيلها، فهو قريب من القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكان هذا مبعث أمل بالتغيير حتى ولو كان نسبيا ومحدودا.
اختيار رئيس الحكومة مرتبط بإرادة الملك وهو لن يحكم مُنفردا
والنتيجة، من دون مبررات ومحاولات تجميل الرزاز وفريقه، مُحبطة ومُخيبة لرهان من تعلقوا بالأمل، ولن أقبل بتحميل أطراف أخرى بالسلطة مسؤولية وصولنا لطريق مسدود، فالمعادلة بسيطة عندي، إن لم تنجح، ولم تفتح للنور؛ استقل.
مهما كان الرئيس في الأردن ومهما كانت أفكاره فإن "السيستم" يُخضعه لمنظومته وقواعده، ولا يترك له سوى هوامش يتحرك بها، وحين يحاول أن يفرض بصمته أو يغرد خارج السرب، فإنه يجد نفسه وحيدا، وفريقه لا يسانده ويحميه، وبتكرار الفشل يرفع الراية البيضاء، ويتعلم الدرس فيصبح ترسا في ماكينة "السيستم".
مطلوب رئيس وزراء في الأردن بكفاءة وقوة "سوبرمان" قادر على مواجهة الكوارث والصعاب، وصناعة النصر مهما كانت الظروف.
قبل أن يختار الملك رئيس الحكومة المقبل أشعر بالحزن والشفقة عليه، فأينما صوّب وجه فالأبواب موصدة، وجائحة كورونا رمال متحركة ستُقلق حياته، والاقتصاد على شفير الهاوية.
عن الحرة